طريق الحياة .. Day 3

“Hit the road Jack”


 

بدأ اليوم بصوت منبه أوما المفجع عند تمام الساعة السادسة إلا ربع صباحاً وكأنه إنذار الحريق استمر لمدة تزيد عن التسعين ثانية قبل أن تصحو أوما وتطفئ جهازها وتنام من جديد. بدت لي الثواني وكأنها دهراً طويلاً.

جمعت متعلقاتي وتركت رسالة شكر بسيطة لزميلتي في الغرفة امتدح فيها لطفها وهدوءها الجم  (بإستثناء منبهها المزعج) على أمل لقائها يوماً ما في مدينة ما أثناء ترحالنا في الكامينو.

نزلت للأسفل وأعددت وجبة إفطار سأتناولها لاحقاً عند أول استراحة . انطلقت بعدها لحال سبيلي بعد ختم جوازي (مطويتي) من الفندق.

لم يخلو طريقي من الرحالة ولم أشعر بالوحدة ابداً. شاهدت العديد منهم يقف أمام لوحة ضخمة بجانب الطريق الأسفلتي كتب عليها “سانتياغو دي كومبوستيلا 790 كيلو متر”

توقفت وتناولت إفطاري اللذيذ المكوّن من خبز فرنسي محشو بـ عجة بيض بالفطر البري والطماطم بالإضافة للبطاطا والجبن اللذيذ وقنينة إضافية كنت قد ملأتها بعصير البرتقال.

لم أفكر بشي وقتها. الهدوء فقط وأصوات الطبيعة من حولي. وبدأ المطر.

أنهمر وكأن السماء قد أنشقت فجأه. تداركت الموقف ولبست البانشو البلاستيكي وأحكمت أطرافه على حقيبتي و جسدي أيضاً وواصلت المسير. بعد فترة لمحت إحدى البلدات الصغيرة جداً على الطريق.

لجأت مع رفاق دربي لمقهى شعبي واحتسيت كوب الشاي الساخن وجلست اتسلى بكتابة ملاحظاتي هذه في دفتري حتى أجهزها للتدوينة القادمة.

توقف المطر ولكن كان الجو بارداً ورطباً والمشي كان عملية شاقة لتنوع الأسطح التي سرت عليها في ذلك الطريق. كل الأسطح التي من الممكن أن تتخيلها أجتمعت في ذلك اليوم.

أسفلت، خرسانة، طرق رملية أصبحت موحلة بعد المطر، طرق حجرية قديمة، فوق حجارة صغيرة ، وفوق صخور كبيرة، فوق مخلفات المزارع من ورق وأعلاف فوق جداول صغيرة وعبر جسور قديمة لأنهار جارية، تلال مرتفعة، سهول منخفضة.

عبرت من خلال مدن صغيرة وغابات متفرقة غطتها أشجار ضخمة وأعشاب السرخس، شاهدت مراعي لقطيع من الأبقار والأغنام وكلاب حراسة ورعاه، خيول بلا سرج ومنازل أسبانية بإمتياز شرفاتها واسعة تحوي أصص الزرع والزهر الملوّن.

وصلت لبنسيون أميتس Pensión Amets في بلدة زوبيري عند سفح بيرنييه نيفارا. أخذت غرفة منفردة لي وحدي مقابل خمسون يورو شامله وجبتي العشاء والإفطار ومطلة على النهر الصغير وجسر البلدة العتيق حيث تقول الأسطورة أن من يقف عليه تمتص حجارته الرمادية كل الأوجاع والآلام من جسده وتعود له صحته.

ممتنة جداً لنهاية اليوم بسلام واستمتاعي بحمام ساخن ومناشف نظيفة وقدرة على غسل جميع ملابسي المتسخة بدون أن أنتظر طوابير طويلة ولا زحام دورات المياة المشتركة.

طريقي بتنوعه اليوم، يشبه الحياة تماماً بكل مافيها من صعاب ونجاحات وإخفاقات واندهاش وحزن وتعب وعزيمة وقدرة خفية على التحمل رغم ألم العضلات. إنها الحياة.

 

 

 


 

مسار رحلة اليوم : Roncesvalles – Zubiri (22 km)
4th night stay: Pensión Amets .. Gerestegui, 25, 31630 Zubiri, Spain
Photo courtesy: http://mattbell.org/personal-pilgrimage-points-to-the-way-of-st-james