سهول هايدي وبيتر .. Day 2

“Once upon a time”


عند الرابعة فجراً بدأت الملم متعلقاتي بهدوء. استخدمت كشاف ضوئي صغير حتى استدل به في الظلام. حملت حذائي بيدي وبدأت اتسحب كلص محترف. نزلت للأسفل ووجدت سيدة يبدو أنها من شرق أسيا لم ألمحها البارحة. رحالة أيضاً. صغيرة جسد وذات ابتسامة عريضة. كان الوقت ما زال مبكراً لخروجي، فالظلام حالك في الخارج وصدقاً ليست لدي الشجاعة أن أواصل المشي للنقطة التالية Roncesvalles والتي تبعد أكثر من عشرين كيلو متر.

صنعت لنفسي شطيرة من جبن الامنتال وثمرتي طماطم كرزية صغيرة مع كوب ممتلئ بعصير البرتقال الطازج. وتبادلت الاحاديث مع “أوما” التي عرفت منها أنها من كوريا الجنوبية وفي الخمسين من عمرها قررت التقاعد من التدريس والبعد عن ضجيج التلاميذ ومواسم الاختبارات. حضرت متأخرة ليلة البارحة ولم يكن لها سرير لذا قضت ساعات الليل على كرسيين جاورتهما ببعض وصنعت لنفسها سريرٍ صغيرٍ ولطيفٍ مثلها. . ادهشتني فكرة أنها تحمل معها محضرة الأرز الكهربائية الصغيرة وأنها تحرص على تناوله على الإفطار وليس كوجبة رئيسية.

أن تأكل أرز على الإفطار فهذه ذائقتك الخاصة لا دخل لي بها ولكن ما أذهلني لهذا اليوم  فكرة أن تحمل معك على ظهرك آلة كهربائية ثقيلة طوال هذا الطريق الطويل وعبر كل البلدات والقرى والمدن التي سنمر بها. تذكرت كاميرا الكانون الخاصة بي وعدسات 70-200 أو حتى عدستي المفضلة في السفر 24-105 وكيف تنازلت عن فكرة توثيق رحلتي بالصور كعادتي من أجل أن لا أحمل أثقال على ظهري تنهكني. جهاز الآيفون وشاحنه أيضاً وجدت أنهما حمل ثقيل. استعنت فقط وللطوارئ بجهاز اتصال نوكيا قديم جداً استخدمه لإرسال رسالة تطمينية عني لزوجي وأهلي واستقبال المثل منهم كل ليلة. بلا اتصالات ولا تواصل. هنا سأستغل فرصة وجود جهاز الكمبيوتر هذا  في النزل أو مقاهي انترنت وأكتب تدوينتي وأمضي في سبيلي.

بدأت خيوط الصبح تشق السماء الداكنة بألوان تتدرج من الأزرق الداكن والليلكي الخفيف والبرتقالي الباهت قررت حينها الخروج والبدء في المسير رغم برودة الجو. رافقتني “أوما” المشوار وتوقفنا عدة مرات نتأمل التلال أسفلنا وطبيعة الأرض الساحرة. مررنا بقطعان من النعاج الصفراء ذات الأجراس الحديدية العتيقة المعلقة في رقابها كنت أتمنى لو تقفز هايدي من أمامي وتتشقلب بمرح على الغيمات وتلعب مع صديقها بيتر حتى يكتمل المشهد. صوت العصافير لم أسمع مثله من قبل. تناغم عجيب بين الطيور يبدو أن بينهم حوارات طويلة وثرثرة شيقة على هيئة زقزقة متواصلة. ينابيع الماء الباردة العذبة كانت متوفرة يمكنك أن تعيد تعبئة قنينة الماء خاصتك أي وقت مباشرة من الطبيعة حولك ومجاناً.

بدأ الضباب يلف المكان حولنا وبدأت الرؤية تنعدم قليلاً. الأرض زلقة وعلى ارتفاعات عالية في ذات الوقت فيجب عليك توخي الحذر أكثر. رذاذ المطر خفيف ولكن متواصل لذا أخرجت “البانشو” البلاستيكي وغطيت به حقيبتي وبقية جسدي. بدأنا ندخل غابات من الأشجار العملاقة وارتفاعات أكبر والطريق ضيق وترابي وأصبح موحلاً أكثر. وجانب الطريق الأيمن كان هوة سحيقة يحدها سياج قصير من أسلاك الحديد الصدئة المتصلة بأعمدة خشبية قصيرة أيضاً قد تسقط بسهولة إن لم تنتبه لموضع أقدامك. الجو العام كان ينقصه موسيقى رعب تصويرية أو أصوات رياح اعترف بأنني كنت قلقة أو ربما خفت قليلاً. وجود “أوما” حينها كان هدية من السماء.

وصلنا إلى Roncesvelles هذه المرة مشاركة النوم كانت مع أكثر من 182 سيدة ورجل من مختلف الجنسيات في فندق ضخم يشبه المستشفى. فكرة النوم بعد كل هذا التعب كانت كافية أن تجعلك تستسلم بعمق مهما كانت الظروف من حولك فأنت الآن أنتقلت من فرنسا إلى أسبانيا.

 

 

.


  •  مسار رحلة اليوم: Refuge Orisson (France) –  Roncesvalles (Spain) .. (26 km)
  • 3rd night stay: Hotel Roncesvalles.. C. Unica, 14, 31650 Roncesvalles, Navarra
  • Photo courtesy: http://www.priceline.com/hotel-roncesvalles
  • هايدي وبيتر شخصيتان محببتان من مسلسل كرتوني مدبلج عرض مطلع الثمانينات

 

.