“Like a Cinderella’s Village”
بدت لي “سان جان بييه دو بور” كطفلة بيضاء تنام بين أحضان التلال الخضراء. قرية شاهدتها من قبل في أفلام الرسوم المتحركة أو قد أكون لمحتها في أحدى صفحات سلسلة القصص التي كنت اقرأها في طفولتي. لا تملك إلا أن تشعر بالألفة الفورية مع المكان.
القرية صغيرة ، أنيقة جداً ونظيفة وواضحة المعالم. لم يكن صعباً أن أجد مكان المبيت الأول لي في الريف الفرنسي هذا.
نزل Maison Ziberoa ليس ببعيد من المحطة. كنت قد راسلتهم قبل السفر عبر البريد الإلكتروني ورتبت معهم مواعيد الحضور اكتشفت اليوم أنني لم أكن مضطرة لكل هذا فهناك دوماً مكان يتسع للجميع. حرصت أن تكون الرحلة بأكملها بعد موسم عيد الفصح والازدحام الذي قد يصاحبه وصعوبة إيجاد أماكن شاغرة.
الغرفة تطل على البيوت الصغيرة المجاورة ولو امعنت النظر قليلاً فهناك لليمين يقع النهر الصغير. وبالعودة للحديث عن الغرفة فقد كانت نظيفة ومريحة ودرجة الأمان عالية. ولي وحدي ! الغرفة ودورة المياة بأكملهم لي وحدي تلك الليلة لأنني قررت أن المحطة القادمة ستكون في أحد النزل التي يتشارك فيها جميع مغامري هذا المشوار من الرحالة .
تحممت سريعاً وقررت أن أنطلق لاكتشاف المكان قبل حلول الظلام. التقيت في الردهة بمارشا وزوجها غريغ من كاليفورنيا. أسئلتهم كانت في المجمل طفولية وممتلئة بالحماسة. أخبرتهم أنني أمشي وحدي طريق “الكامينو سانتياغو دي كومبوستيلا” أمتلأت أعينهم بدهشة وجدتها لذيذة ومرضية لغرور المغامرة الجديدة لدي. سألوني إن كنت أعلم من أين لنا أن نأخذ مطوية الاعتمادات والأختام الخاصة والتي سأشير إليها وعبر التدوينات القادمة بكلمة “الجواز” وهو عبارة عن مطوية بيضاء تحتوي مربعات فارغة جاهزة للأختام من كل مكان نمر به في دربنا. المقاهي والفنادق الصغيرة ومحلات الهدايا والتحف وحتى الصيدليات إن اردت.
الحفاظ عليه من الضياع او البلل أمر بديهي وقد يكون في بعض الأوقات أهم من جواز سفرك الحقيقي. فائدته تأتي من إمكانية الحصول على طعام ومكان للمبيت طوال مشوارك وبأسعار زهيدة لا تجدها في اوربا عادةً بسهولة. وهو دليل مرورك بالمكان منذ بدايته وفي نهاية مشوارك يتم منحك شهادة تثبت أنك أحد مغامري هذا الطريق الساحر.
اصطحبت مارشا وغريغ للمكتب السياحي الذي لم يكن يبعد سوى بضع خطوات عن مكان إقامتنا. المكان يقع في أحد الأزقة القديمة مبني من الحجر وبوابة داكنة من الحديد. المكتب من الداخل مختلف تماماً عن خارجه. عصري جداً ويماثل بقية مكاتب السفر والسياحة في أي مكان. الطابور كان طويلاً نسبياً والازدحام لا بأس به.
حان دوري وجلست امام رجل فرنسي ذو لحية كثة بدأ يسألني كثيراً من أين أتيت ولماذا أنا هنا. بدا لي أنه لن يعطيني المطوية لكثرة التفاصيل التي سأل عنها وكنت أجاوب بثبات وكياسة فأنا لا اخالف أي قانون. وهو بالنهاية موظف في مكتب شبه سياحي وليس رجل أمن. ابتسم ومد لي المطوية مقابل اثنين من اليوروات وقال لي “بونو كامينو” أي طريقاً ميموناً او كما نقول نحن “صحبتك السلامة”. وهي العبارة التي ستقال لك أو تقولها أنت في عدة مواقف وأماكن طوال هذه الرحلة من باب الأمنيات الطيبة وإمدادك بالسكينة الداخلية.
حرصت أن اتجاهل إلحاحه بأن آخذ خرائط للطريق فبحسب ما قرأت، الطريق واضح المعالم والإرشادات في كل زواية كما أن فكرة القليل من التوهان والضياع كانت مغرية أيضاً وتبعث على الحماسة.
شاهدت مارشا وزوجها ينتظراني في الخارج وأحسست أنني في ورطة. قرأت كثيراً أن عليك في هذه المغامرة الروحية أن لا ترتبط بأشخاص أو متعلقات. تحاول قدر استطاعتك أن تكون علاقاتك في أضيق الحدود وأن لا تغوص في تحليل المواقف والأحداث. قرأت أيضاً أن من أسباب المشي هذا ، أن تنفرد بذاتك وتنصت لروحك كلما سنحت لك الفرص لذا أخذتهما لمكان سكننا وتملصت منهما بصعوبة وأكملت مشواري وحدي في تلك البلدة. أنا والريف الفرنسي فقط.
First night stay: Maison Ziberoa: 3 Route d’Arneguy، 64220 Saint-Jean-Pied-de-Port
Transportation info: www.bonjourlafrance.com
Photo courtesy: www.tourisme.fr