“a road band”
محطة المبيت التالية ستكون لوغرونيو وهي التي عرفها المسلمون باسم لوكروني. تبعد عن لوس اركوس بثمانية وعشرين كيلو متر. وحيث أن المسافة طويلة اليوم، لذا قررت المغامرة بعدم الحجز المسبق للمبيت فيها. لم اجد مبرراً للقلق حيث أنها من المدن الكبيرة والرئيسية في شمال إسبانيا وخيارات السكن متنوعة ومتوفرة كما أنني سأعبر من خلال عدة بلدات وقرى في الطريق وحتماً لن أكون في العراء وحدي.
انطلقت من لوس اركوس في تمام الخامسة صباحاً. الطريق كان رملياً ضيقاً وللجهة اليسار كانت هناك تلة متوسطة الارتفاع تعلوها آثار قلعة قديمة تم هدم أجزاء منها وتبدو مهجورة.
بعد المشي مسافة اربعة كيلو مترات، كنت بالفعل في منتصف قرية سانسول Sansol. مكان وديع وريفي هاديء. حضائر الدواجن على الجانبين وشاهدت لأول مرة خنزير حي. زهري اللون ويصدر صوت شخير بالضبط كما نشاهده في افلام الكرتون. لا اعلم لما كنت اتخيله مختلف على الطبيعة.
توقفت عند مزرعة مفتوحة فيها بركة ماء ضحلة، خلعت جواربي وغمرت قدميّ المنهكتين في الماء البارد.
واصلت المسير بعدها بين اشجار الزيتون وحقول القمح. كنت بين الحين والآخر المح غرف صغيرة من الحجارة ذات ابواب منخفضة جداً وكأنها بيوت الأقزام في قصة سنووايت. يبدو أنها كانت مخازن للقمح وقت الحصاد.
قضيت اليوم في صمت طويل. حاولت ان اركز في امر ما او تذكر حدثاً ما ولكن فشلت. كنت شاردة الذهن تماماً ولا اتذكر حتى هذه اللحظة فيما كنت افكر.
وانا في غمرة اندماجي مع نفسي لم انتبه ان هناك من يشاركني طريق المشي. مجموعة من الرحالة سيدات ورجال كان من ضمنهم رجل شعره اسود فاحم يلمع تحت الشمس وكأنه مبتل. سحب من خلف ظهره آلة الجيتار خاصته واخذ يعزف اثناء المشي. الجميع التفت له وبدوا التصفيق والابتسام. بدد بعزفه لحظات الرتابة والسكون التي كانت تلفنا جميعاً واشاع عوضاً عنها لحظات من الألفة والمرح وشعور أننا جميعاً في رحلة اصدقاء قدامى.
كنت مندهشة لإنتقالي من حالة السكون لهذا الصخب الجميل بهذه السرعة. لم انتبه انني لم اشاركهم الابتسام ولا التصفيق حيث كنت غارقة في تحليل الموقف. اقترب مني أكثر اثناء المشي وهو مستمر في عزفه واشار لي بتعابير وجهه بما معناه “هيّا ابتسمي مثلنا”
وصلت إلى توريس ديل ريو Torres del Rio وهي بلدة متطورة جداً ولكن صغيرة. شوارعها اسفلتية وخطوط المرور البيضاء مرسومة بدقة ووضوح ومسيّج الطريق بأسوار حديدية قصيرة.
دخلت لها متبعة اللوحات الإرشادية. الأسهم الصفراء كانت طوال الطريق مثل ملاك حارس او قنديل مضيء استنير به في ليلة ظلماء.
دخلت مقهى للإستراحة وطلبت بيض مخفوق مع عصير البرتقال الطازج. تناولت وجبتي الخفيفة على عجل وواصلت المشي حتى لا اتأخر في الوصول إلى لوغرونيو ويداهمني الليل في الطريق.
فيانا Viana كانت المحطة الأخيرة قبل لوغرونيو. حينما دخلتها تذكرت منطقة السوليدير في بيروت. مبانيها قديمة ولكن اُعيد ترميمها وأرضياتها صخرية مخصصة للمشاة فقط في الغالب. آثارها ترتكز في منتصف البلدة العتيق بمقاهيها وساحاتها الصغيرة. الاستراحة فيها من أجل شطيرة جبن وزيتون وطماطم مع كوب من القهوة كانت أمر حتمي حينها.
لوغرونيو Logroño على النقيض تماماً فهي مدينة كبيرة ورئيسية في شمال اسبانيا وبوصولي لها كنت رسمياً قد انتقلت من منطقة نافارا اقصى الشمال الشرقي للمنتصف الشمالي تقريباً اي منطقة لا ريوخا.
وصلت للمدينة قبل المغرب وتجولت فيها بحثاً عن مكان المبيت لهذه الليلة. مررت في دربي بكاتدرائية سانتا ماريا Cathedral de Santa Maria de la Redonda. تشبه كاتدرائية نوتردام في باريس. برجان طويلان يحيطان بالمدخل الرئيسي.
البوابة الضخمة منقوشة بحرفية وفن ويعلوها مجموعة من التماثيل المنحوتة بدقة متناهية. لمحت على الأرضية الصخرية المواجهه قطعة معدنية مربعة ومثبتة ببراغي عليها نقش السهم الأصفر والصدفة البحرية ايقونات الطريق بالإضافة لإسم المدينة وكأن الحديدة بمثابة طابع بريد ضخم.
نشاطات شباب المدينة وضحت لي من خلال نقش الغرافيتي ورسومات الحائط والجداريات. نشاط فني مختلف وثري ويعبر عن روح المدينة المازجة القديم بالحديث.
مقابل واحد وثلاثون يورو فقط حصلت على غرفة في Pension Laurel المكان نظيف وعصري وهو ما كنت أحتاجه لختام هذا اليوم الطويل.
مسار رحلة اليوم : Los Arcos – Sansol – Torres del Rio – Viana – Logroño (28km)
9th night stay: Pension Laurel .. Gonzalo de Berceo, 4, 1º B, 26005 Logroño
Photo courtesy: Google images.
.