” ! what’s next ”
في شارع رينا الكائن في أحد أزقة سانتياغو العتيقة حجزت غرفة صغيرة وحميمة في فندق مونتيس. المكان مبني من الحجر وكل الغرف تطل على الحديقة تقريباً. حديقة صغيرة أشجارها مقلمة بعناية وتخترقها ممرات من الحصى الصغير وتنتثر على الزوايا مقاعد طويلة من الخشب القديم والباهت. تناغم الورد الأبيض المحاط بزهور الجوري الحمراء وفي تنسيق بديع يدل أن صاحبة الفندق تهتم شخصياً بالمكان وكأنه منزلها الخاص. نوافذ الغرفة طويلة تعطي شعوراً بالاتساع وملحق بها بلكون صغير يكفى لكرسيين وطاولة فقط.
لا أعلم كم ساعة قضيتها في استحمام دافئ وطويل ولكن كانت بالتأكيد مدة كافية لمنحي نشاطاً مضاعفاً كي أمضي بقية النهار في اكتشاف المدينة المجنونة دائمة الحياة والصخب سانتياغو دي كومبوستيلا.
الفندق في منتصف المدينة القديمة بالضبط وقريب من معظم الأماكن والمطاعم والحوانيت الصغيرة.
كنت لحظتها اتضور جوعاً لذا قررت الذهاب لمطعم ملاك بيسترو MalakBistro كان على بعد خمس دقائق مشياً من الفندق.
المطعم تعود ملكيته لرجل أردني من أصول فلسطينية يقوم بنفسه باستقبال الزبائن والإشراف على راحتهم. المكان ليس للأكل الحلال فقط بل ذكاء صاحبه جعله مواكباً لإرضاء الجميع ، هناك وجبات للنباتيين ، وجبات خالية من الغلوتين. في هذا المطعم عرفت الفرق بين Vegan و vegetarians فالأول لا يأكل لحوم أو أي مشتقات حيوانات أما الثاني فيقبل أن يأكل مشتقات الحيوانات من ألبان وأجبان وغيرها.
دجاج بالكاري ، كباب أسياخ ، فتوش ، بابا غنوج ، تبولة بيروتية ، فلافل ، شاورما دجاج أو لحم ، بيرغر باللحم الضاني ، مسقعة ، دجاج مسخن ، مأكولات بحرية. جميع ما سبق لم يجعلني أشهق من الفرح مثلما حدث لي عندما وصلت للسطر المكتوب فيه “كبسة على الطريقة السعودية” ! هنا ! في هذه الأزقة العتيقة من سانتياغو ! على بعد أكثر من خمس ساعات بالطائرة !
للأمانة لم تكن مثل كبسة أمي بل كانت ممتلئة بالبهارات والكركم ولكن هذا لم يمنعني من التلصص على الطاولات المجاورة وأرى إن كانوا قد طلبوا هذا الطبق وكأني أنا من أعده وانتظر رضى الآخرون عنه. وجبة الكبسة تلك كانت تعادل في قيمتها المادية يوم كامل من السكن والمأكولات والمشروبات في قرية من القرى التي مررت بها سابقاً على طريق الكامينو.
كان الوقت لا يزال مبكراً لذا قررت أن أذهب لمتحف O Museo das Peregrinacións e de Santiago قرأت سابقاً أنه يختص برحلات الكامينو ، واكتشفت لاحقاً أنه يدور حول الكاتدرائية القديمة. لا بأس به ، صغير وترتيب القطع كان بشكل واضح.
كنت أدور في محيط المدينة القديمة حول الكاتدرائية. كل الأماكن قريبة من بعضها البعض والتنقل إليها سهل وقريب. لذا قررت أن أستكشف متحف يختص بإرث وحضارة إقليم غاليثيا فذهبت إلى Museo do Pobo Galego. بالنسبة لي كان أكثر متعة وفائدة. المبنى بحد ذاته كان تحفة معمارية تحديداً السلالم اللولبية والممرات المفتوحة ذات الطراز الدمشقي العريق في إطلالتها على الحديقة الداخلية.
المتحف يعرض حضارة الإنسان في هذا الإقليم القديم وتعاقب الثقافات بتعاقب الحكام والأعراق التي استوطنت المكان.
الحرف بأنواعها والملابس بإختلاف عصورها وأشكالها وخامتها مع الموسيقى وفنونها كل ذلك في جرعة ثقافية مركزة كنت سعيدة بحصولي عليها عصر ذلك اليوم.
انتقلت اتسكع في الساحات بلا هدف محدد ولا خطط مسبقة. اتلمس فقط ما تمنحني إياه المدينة من أسراها الدفينة. مررت بنافورة جميلة وشهيرة أسمها Fuente de Los Caballos
كثر من حولها السياح وعروض فناني الشارع وقضيت بعض الوقت على ناصية مقهى قريب أتأمل الناس وأصنع لهم قصص من مخيلتي.
فكرت بخططي القادمة هنا في شمال اسبانيا فوجدتها ناقصة وعرجاء إن لم أكمل مغامرتي بالذهاب مشياً على الأقدام لنهاية العالم.
Finisterre بلدة صغيرة تبعد مسافة ثلاثة أيام مشياً من سانتياغو. تقع على المحيط الأطلسي وكانت تعتبر سابقاً حدوداً لنهاية العالم. قبل مغامرات ماجيلان وماركو بولو واكتشافاتهم للعالم الجديد وراء المحيط.
جزء من مشوار الكامينو وسأعتبر أنني لم أكمل مغامرتي هنا إن لم أمشي حتى حدود “نهاية العالم”
.
مسار رحلة اليوم : Santiago de Compostela
33rd night stay (same day): Hotel Montes .. Rúa Raiña, 11 , 15704 Santiago de Compostela, Spain
Photo courtesy: Google images
موقع المطعم : http://www.malakbistro.com/