“Pure History”
بخروجي من مدينة سانتو دومينغو دي لا كازادا، أكون رسمياً قد انتقلت من إقليم لا ريوخا La Rioja إلى إقليم Castilla y León أو ما عرفه المسلمون باسم قشتالة وهي إحدى ممالك القرون الوسطى وينطقها الأسبان بـ كاستيلا. وكلمة كاستيلا مأخوذة من Castel أي القلعة حيث عرفت المنطقة بكثرة القلاع التي شيدها الأسبان لصد المسلمين.
مشوار الكامينو تحول في هذا المكان لصفحات من تاريخ طويل مليء بانتصارات و انهزامات و كم سالت على هذا الطريق تحت أقدامي الآن من دماء ودموع.
بحسب ما قرأت سابقاً، فإن “ايزابيلا” ملكة قشتالة ذات الدهاء والمكر كانت من أسباب سقوط المسلمين في الشمال الاسباني. اتحدت مع زوجها فرناندو الأول ملك ليون وشنت حملة عسكرية على مدينة غرناطة عام 1482م وانتزعت الحكم بالقوة من أحد حكام بنو الأحمر آخر ملوك الطوائف وكان يدعى أبو عبد الله محمد ولقبه الغالب بالله. وسماه الأسبان el chico أي الصغير تحقيراً له. أمرت الملكة إيزابيلا بعدها بإنشاء محاكم التفتيش التي استهدفت المسلمون وأجبرتهم على اعتناق المسيحية أو التعذيب والطرد وبذلك انتهت قصة الإسلام في الأندلس.
تم طرد أبو عبد الله محمد إلى فاس إلى أن مات فيها ذليلاً وملوماً محسوراً وبحسب الأسطورة والرواية الشعبية فالمكان الذي ألقى منه نظرته الأخيرة على غرناطة ما زال معروفاً باسم “زفرة العربي الأخيرة “بالإسبانية “el último suspiro del Moro” وبكى فقالت له أمه “عائشة الحرة” مقولتها الشهيرة “ابكِ مثل النساء ملكاَ مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال” *
أزفر زفرتي الأخيرة أنا أيضاً على تلك القصة الموجعة وأعود لتدوين مشواري لليوم.
تتبدل طبيعة المكان من إقليم لآخر فتبدأ حقول القمح الرائعة تضفى على الطريق لون أصفر ذهبي يتداخل مع ألوان زهر الخشخاش الأحمر والأقحوان الليلكي. رياح الأيام الماضية حل عوضاً عنها سماء زرقاء صافية وغيم قطني رقيق ونسيم بارد.
في طريقي إلى Granon شاهدت من بعيد تمثال خشبي لصليب تم تشييده على كومة من الحجارة يبدو أن لها معنى خاص في نفوس الرحالة الكاثوليك. وجدت بعضهم يحاول أخذ صورة جماعية فتبرعت بتصويرهم بكاميرا إحدى سيدات المجموعة. شعور الإمساك بكاميرا والتصوير بعد مضي كل هذا الوقت كان شيء يستحق أن أدونه هنا.
النقطة التالية كانت بلدة Redecilla del Camino الوصول إليها يقتضي المرور بتلال مرتفعة. المشي فيها كان منهك لعضلات الساق وأسفل الظهر. تعلمت من أحد الرحالة اليابانيين طريقة مبتكرة للقضاء على الشد العضلي وهي النزول بالعكس لعدة خطوات ومن ثم الطلوع مجدداً.
شاهدت فيها إعلانات لأماكن سياحية يبدو أنها قريبة من حولي لم أفهم منها شيء إلا أنها تتبع وزارة السياحة “إنفورماسيوني توريستيكا” فرحت جداً لقدرتي على قراءتها بالاسبانية رغم عدم إتقاني للغة.
Castildelgado بلدة أخرى في طريقي لاحظت فيها إنتشار كبير لينابيع الماء. توقفت بها قليلاً للاستراحة وتجديد نشاطي. أما بلدة Viloria de Rioja فقد كانت صغيرة جداً لدرجة أن مروري بها كان أقل من خمسة دقائق.
وصلت بعد ظهر اليوم لمدينة Belorado وهي وجهة مبيتي لهذه الليلة. شعور الأمان والثقة طاغي حيث لاحظت أن أصحاب المنازل يعرضون بضائع متنوعة أمام أبوابهم ويكتبون السعر على لوحة قريبة من الأغراض ولا يتواجدون فعلياً في المكان.
رسومات الغرافيتي والجداريات ميزة طاغية للمكان أخذت اتأملها عبر الأزقة والشوارع حتى نسيت أمر حجوزات الفندق. سألت نادل المطعم عن مكان مبيت قريب فدلني على فندق Hotel A Santiago. لم أصدق أن حظي كان جميلاً اليوم لدرجة حصولي على غرفة لطيفة بحمامها الخاص النظيف مقابل أربعون يورو فقط.
مسار رحلة اليوم : Santo Domingo de la Calzada – Granon – Redecilla del Camino – Castildelgado – Viloria de Rioja – Belorado (23km)
12th night stay: Hotel A Santiago .. Camino Los Paules, 09250 Belorado, Spain
Photo courtesy: Google images.
-
* المعلومات التاريخية من ويكيبيديا أعدت صياغتها بأسلوبي
.