مقهى صغير .. Day 18

 

carrion


“Illusions”


 

للوصول لمحطتي التالية ” كاريون دي لوس كونديس” Carrion de Los Condes كان يتحتم علي الاختيار بين مسار المشي بالقرب من الخط السريع وهو الأقرب مسافة أو سلوك الدرب الرملي القديم المحاذي للنهر رغم بعده عن الأول!

بلا تردد اخترت طريق النهر لأنه وبحسب الخريطة، يخترق قرى صغيرة ومحطات استراحة متعددة علاوة على أنه أجمل من ناحية الطبيعة والمناظر وتعدد الرفقة وكثرة الرحالة.

ودعت الجدة الحنونة في الصباح الباكر ومثل عادة معظم كبار السن، بدأت تمطرني بالنصائح ومحاذير الطريق وأن أحرص على تدفئة جسدي. بعد أن أعدت لي افطارها اللذيذ وكوب الشاي الساخن لمحتها تفتح حقيبتي وتدس فيها شطائر إضافية وتنبهني أن لا أنساها حينما يداهمني الجوع.

تكمن متعة المشي باكراً عبر السهول الممتدة أمامي في حالة الترقب التي أمارسها بحثاً عن لحظة اكتمال شروق الشمس البطيء من خلف الغيوم وتداخل الوان السحاب من حولها وبداية توهجها الذي يمنعني من مراقبتها أكثر وإلا احترقت حدقتي. لحظة الميلاد تلك والبدايات الطازجة لنهار طويل.

النهر الصغير عن يميني وطريقي الرملي الضيق في المنتصف وتحفني أشجار الصنوبر العالية من اليسار والهواء بارد ولكن محتمل ومنعش. مقاهي الطريق الصغيرة عبارة عن عربات خاصة يقوم أصحابها ببسط طاولة على جانب الدرب ويضعون عليها بعض الأطعمة الخفيفة وترامس المياه الساخنة لإعداد الشاي والقهوة وثلاجة صغيرة فيها ماء وعصائر وقناني صغيرة من الكحول المحلي وبأسعار زهيدة جداً. المنظر يتكرر كل 500 متر تقريباً حتى لو لم اتوقف للشراء من عندهم فهم في كل الأحوال يغمرونني بإبتسامات وأمنيات بكامينو آمن  ومريح.

حقول زهرة عباد الشمس كانت تجتاح المكان وتضفي للمنظر العام اصفرارا حاداً ومدهش في ذات الوقت. غصن الزهرة قوياً وطويلاً بخلاف ما تخيلت وكأن كل واحدة منهم شجرة صغيرة بحد ذاتها.

علامات الوصول للقرى كانت الكنائس التي نراها في الطريق. فهي أول ما يستقبل الزوار للقرى والبلدات وحتى المدن التي مررت بها وغالباً تتموضع على قمم التلال الصغيرة. ربما قد تعني تطميناً للرحالة المسيحيين قديماً و بشارة إلهيه لهم بوصولهم لمكان عبادة و مأهول بالبشر.

أما أنا فقد كانت تعني لي أن مكان المبيت قد بات قريباً جداً فغالباً الفنادق الصغيرة وبيوت الضيافة ترتكز حول دور العبادة.

جعلت الكنيسة نصب عيني كعلامة أستدل بها ثم سارعت الخطى للوصول لوسط البلدة رغم ألم ساقيي وتحولت فجأة من سلحفاة إلى أرنب سريع وبقيت أسير لمدة ساعة تقريباً كنت المح الكنيسة قاب قوسين أو أدني بعدها خابت آمالي حينما أنحى الطريق واختفت وكأنها كانت مثل شرك قد وقعت به أو أن البناية تلك كانت تمارس لعبة شقية تشاكس بها عواطف الرحالة الهشة المتعطشة للراحة بعد كل هذا المشي الطويل من مشوار اليوم.

تسلقت التلة الصغيرة التي في دربي وحينما أصبحت في قمتها وجدت البلدة المنشودة بالأسفل بكل جمالها وهدوءها وتلالها الخضراء وأشجارها وأزهارها الملونة. وقفت أتأمل المنظر قليلاً ثم استجمعت قواي وواصلت المسير.

” كاريون دي لوس كونديس” أشتهرت بسكانها اليهود قبل حكم الملك الفونسو السادس. رغم عددهم الهائل إلا أنه تم اضطهادهم وقتل عدد من أفرادهم على يد المسيحيين. فشلت محاولات اليهود للتعايش سلمياً مع محيطهم من أجل إنقاذ محلاتهم ومصالحهم التجارية بأن دفعوا للسكان الجدد مبالغ ضخمة على شكل ضرائب إلا أنه تم تهجيرهم قسراً للمدن المجاورة وتشتيت شملهم.

فندق  Real Monasterio de San Zoilo عبارة عن دير سابق تتميز غرفه بأقواس حجرية وستائر ذات طراز ملكي قديم. الأسقف مرتفعة تعطي إتساع روحي والحجارة القديمة تبعث بحميمية أجواء الريف. الأسرّة ذات أربعة أعمدة وستائر حالمة كما في الأفلام القديمة. تتوفر بالغرفة تدفئة حديثة وتلفزيون والحمام نظيف جداً وهي أهم نقطة بالنسبة لي بجانب توفر خدمة الواي فاي المجانية. لم أصدق أنني دفعت أربعون يورو للمبيت هذه الليلة فالسعر كان أقل بكثير مما توقعت لهذا المكان الرائع.

 

 

.


مسار رحلة اليوم : Frómista – Carrion de Los Condes (19km)
19th night stay: Real Monasterio de San Zoilo .. Obispo Souto, s/n, 34120 Carrión de los Condes, Spain
Photo courtesy: Google images.