متحف الراديو .. Day 25

castillo-ponferrada--644x362     bierzo04

 


“an air wave”


 

دخولي المتأخر ليلة البارحة لمدينة بونفيرادا منعني من زيارة متاحفها المهمة مثل متحف لمقطورات بخارية لها مئات السنين ومتحف خاص بالمذياع يحتوي على نماذج أجهزة نادرة منه. عشقي للاستماع للراديو قصة طويلة قد أدونها يوماً ما.

قلعة Castillo Templario de Ponferrada الشهيرة بارزة من بعيد ولها أسم آخر عرفت به وهو “قلعة فرسان المعبد”. تسكن فوق التلة منذ القرن الثاني عشر للميلاد وشهدت أسوارها معارك حروب الاسترداد بين المسلمين ومسيحي الشمال الاسباني وحروب الصراع على الحكم بين الأمراء الأسبان أنفسهم فيما بعد.

شاهدت العديد من القلاع خلال سفري في اوربا ولكن هذه تحديداً تستحق أن نطلق عليها هذا الاسم. كبيرة ومهيبة وطرازها الهندسي نادر وبديع. حتى في السينما لم يستطيعوا إيجاد نموذج شبيه لها للأفلام التاريخية الملحمية.

مدينة بونفيرادا تشتهر بصناعة النبيذ الفاخر ولها مناجم عديدة للحديد والفحم أسمها Ponferrada  اساساً مشتق من  بونا “جسر” فيرادا “حديد” أي أنها جسر الحديد.

لاحظت في عدة بلدات ومدن شمالية حتى الآن أن قسم المحاسبة في المطاعم “خلف الكاشير” مباشرة يتم تعليق أفخاذ خنزير كنوع من الديكور الجاذب للزبائن ولا أعلم هل هي محنطة أم ماذا! .. هذه المدينة تشتهر بقطع معينة من لحم هذا الحيوان ويتم أعدادها بطرق طهي خاصة بهذا الإقليم. المبهج وجود عدة مطاعم أخرى نباتية تقدم أصناف لذيذة.

كعادة المدن الكبرى في الكامينو ، فالخروج منها صعب والأسهم الصفراء تكاد تختفي أو أنني لم ألمحها بسهولة. اختصرت الوقت والجهد وكنت اسأل عند كل زواية وبعد كل تقاطع. السكان عادة بمجرد رؤيتهم لرحالة الطريق يرشدونهم حتى قبل السؤال.

ما أن خرجت من المدينة حتى كنت وسط حقول واسعة من كروم العنب. الآن فهمت لما تشتهر بنبيذها المحلي فالعنب رغم أنه ما زال اخضر إلا أنه يبدو مشهي ومغري للقطاف. موسم حصاد العنب في شمال اسبانيا عادة ما يكون في شهر ايلول من كل عام وحينها تقام المهرجانات والاحتفالات في كل البلدات والقرى والمدن.

حسب الخريطة فأنه لا توجد امامي مناطق مرتفعة بل سطح مستوي وممشى طويل مستقيم ولكن في الحقيقة عبرت صعوداً ونزولاً عبر تلال صغيرة ومترامية بين الحين والآخر. الذي لم تذكره الخريطة هو حجم الجمال في الطبيعة من حولي بأشجارها وأزهارها الملونة فلا جمل تصفها أو كلمات.

الشيء المزعج هو كثرة الحشرات الطائرة من ذباب ونحل وغيرها من الكائنات الصغيرة.

بدأت السماء تمطر قليلاً وحمدت الله على جودة ملابسي التي اخترتها بعناية قبل السفر. كنت أمشي بلا خوف فأوراقي الرسمية وبطاقات البنك في حافظات محكمة ضد البلل ، ولبست البانشو الذي يغطيني أنا وحقيبة ظهري أما حذائي وملابسي فجميعها ضد البلل أيضاً والمشي تحت المطر بلا خوف هو متعة حقيقة بحد ذاته.

من بعيد لاحت لي مداخن ومصانع مدينة صغيرة أسمها Compostilla. بيوتها جميلة وطبيعتها كذلك ولكن مروري بها كان سريعاً.

Columbrianos كانت البلدة التالية بكل تماثيلها المنتشرة في شوارعها القديمة. هذه البلدة كانت مستعمرة برتغالية واسمها مأخوذ من “كولومبا” أي حمامة لكثرة طيور الحمام بها وانتشاره في ساحاتها.

بلدة Fuentesnuevas كانت مميزة بالنسبة لي لأنها تحتفظ بلهجة خاصة بها أسمها “الجاليكية” تختلف قليلاً عن الاسبانية.

وصلت لبلدة أسمها Cacabelos وعلى أراضيها تمت أحدى معارك حرب الاستقلال الاسبانية أوائل القرن التاسع عشر والتي خاضتها اسبانيا في تحالفها مع البرتغال وبريطانيا ضد فرنسا ودولة المماليك.

طبيعتها خلابة كسابقاتها من البلدات والقرى وكل واحدة منهم لها طابع تاريخي قديم. أرضيات الأزقة والبيوت كانت مرصوفة بالحجر مما أعطاها ذلك الإحساس اللامتناهي من الجمال والسحر.

الطريق بات مزدحماً أكثر بالسيارات السريعة. كانت تعبر بجواري مباشرة والمشي حينها كان منهكاً  للأعصاب لخطورة الوضع. لا أعلم إن كنت قد أضعت الطريق فالأسهم الصفراء لا يمكن أن المحها بسهولة أو تكون في الأرضية ولم أنتبه لها.

صعدت أحد التلال مجدداً وما أن تجاوزت قمتها، حتى لاحت لي مدينة فيلافرانكا Vilafranca del Bierzo من بعيد بكل بهاءها وجمالها. واصلت المسير فأصبحت عن يميني أسفل الطريق وفي حضن الوادي الأخضر. مدنية مناجم الذهب المكتشفة أثناء حكم الرومان لها. تشتهر أيضاً بنبيذها الخاص.

تشتهر فيلافرانكا بوجود نزل أسمه  Ave Fénix de Familia Jatoبناه الرحالة أنفسهم ويديره رجل عجوز يؤمن بالروحانيات وأن يكون المكان صديق للبيئة و دورات المياه بدائية جداً.

اؤمن بالروحانيات كذلك ولكن اؤمن أكثر بأن أحصل الليلة على غرفة ذات حمام عصري استحم فيه بسهولة واغسل ملابسي المتسخة. لذا اخترت الاقامة في فندق صغير وحميم يديره رجل وزوجته ويمنحون بسخاء شعور العائلة لكل من يدخل. الغرفة في الطابق الثاني صغيرة نسبياً ولكن نظيفة جداً ودافئة.

انتظرت توقف المطر ومن ثم خرجت للساحة القريبة ومررت بكنيسة سانتياغو من أجل الحصول على الختم الخاص بالرحلة. هذه الكنيسة تعتبر من أهم النقاط على طريق الكامينو فبمجرد الحصول على الختم من الباب الجنوبي لها والذي يدعى ” Puerta del Perdón” أو باب المغفرة فلا يوجد داعي لمواصلة المسير للمحطة الأخيرة “سانتياغو دي كامبوستيلا” البعض ينهي مشوار الكامينو هنا ويعود لدياره.

 

 

.


مسار رحلة اليوم : Ponferrada – Villafranca del Bierzo  (22km)
26th night stay: Micro Hostal La Puerta del Perdon ..  ‪ Plaza de Prim, 4, 24500 ‪Villafranca del Bierzo,‎ 
Photo courtesy: Google images.