“entr’acte”
مضت عدة أيام منذ أن عدت من مشوار الكامينو في شمال اسبانيا. الأيام الطويلة التي مشيتها لا تزال طازجة وتلقي بظلالها وتعلن حضورها الطاغي على جميع حواسي. حتى أن بعض الجراح التي طالت أصابع قدمي لم تشفى بعد لهذه اللحظة وحينما أنظر إليها ، أشعر بالحنين مجدداً للمشي الطويل.
كل من يعود من ذلك المشوار يصبح مغرماً به أكثر كونه بات جزء من الحياة والذاكرة. أشكر الخالق على سلامتي وعلى الفرصة التي حصلت عليها حتى أشاهد الحياة من منظور مختلف وأتعرف على ذاتي وقدراتي أكثر.
أفكر كثراً بتكرار تجربة المشي تلك مرة أخرى وربما مرات عدة في السنوات القادمة. المشي عبر الكامينو كان ملخص عن جميع الأشياء والهوايات التي احب. تسلق الجبال ، التأمل في الطبيعة الخلابة والتضاريس الجغرافية المتنوعة ، التعرف على الحضارات المختلفة والشعوب عبر زملاء الطريق من الرحالة ، حبي لهندسة المعمار القديم والمتاحف ، شغفي بالأساطير المنتثرة على طول الطريق ، حكايا رعاة الغنم وقصص عجائز القرى التي لا تمل.
حبي للصورة واقتناصي للحظة بحكم أني مهتمة بتصوير حياة الناس والشارع والطبيعة لم يكن يجعلني أستمتع بالمشهد واختزاله في عيني وروحي قبل أن أحبسه في “فريم” جعلني ذلك ممتنة جداً لأني لم أحرص على توثيق رحلتي بالصور كعادتي. لأول مرة كنت اتأمل الأشياء من حولي واشبع بها نظري ولا أكون في فزع من أن تنفذ ذاكرة الصور في الكاميرا أو تبتل العدسة من المطر! لأول مرة وعبر التدوينات السابقة أكتشف أنني أستطيع أن أصف الشيء وأسجله حتى بدون .. صورة !
سأستمر بالكتابة لاحقاً عن الكامينو كلما أحسست بنضج التجربة أكثر وأكثر. فترة المشي تلك سأعتبرها خطوة أولى لرحلات ترحال قادمة بإذن الله.
و … Buen Camino y’all
البادج الذي كان على حقيبة الظهر ، انتزعته منها قبل إلقاءها في المحيط .. الذكرى الوحيدة الملموسة من مشوار الكامينو ، سأعيد حياكته على حقيبة سفر جديدة ورحلة جديدة بإذن الله
.