“Keep Going”
الليلة الماضية كانت ممتلئة بقصص السيدات الدنمركيات. إنسكبت الحكايات من أرواحهن مثل نهر متدفق. “هولقا” في معركتها ضد مرض السرطان وقدرتها على الصمود رغم مهاجمته لها في عدة أماكن من جسدها ودخولها الآن مرحلة الشفاء التام منه قصة سلبت كل بقايا النعاس من عيني. تمشي الطريق اليوم احتفالاً بالحياة وكم هي ممتنة أنها تتحدث لنا الآن بحد تعبيرها.
“ألما” شابة عشرينية صاخبة وطويلة جداً .قررت الإستسلام فجأة لروح المغامرة والإستقالة من عملها في صحيفة لندنية. لملمت كل مدخراتها حتى أنها لم تخبر أحد عن مكانها. كانت طوال الوقت تسجل حديثنا بكاميرا صغيرة سوداء عرفت منها لاحقاً أنها تهوى صناعة الأفلام الوثائقية. لذا لن أستغرب حينما ألمح وجهي المتعب يوماً ما عبر قناة الناشيونال جيوغرافيك.
فكرة الخوف من الموت كانت تعيق “جوان” عن الاستمتاع بحياتها. خرجت مؤخراً من فترة علاج إدمان المسكنات لذا توترها يبدو واضحاً ورعشة يديها لم تستطع إخفاؤها. أغمضت عينيها ودخلت في حوار مع ذاتها بصوت مسموع وقالت أنها تتمنى بصدق أن تتغير للأفضل وحينما تعود لديارها أن لا تكون ذات الشخص الذي غادر.
“روزماري” قالت شيئاً عن الرجل الذي صادفته منتصف ليلة البارحة يحمل كشافاً ضوئياً وأنها …. كنت قد نمت بعمق قبل أن تكمل حديثها.
قبل شروق شمس اليوم التالي جهزت حقيبة ظهري وعصيّ المشي التي اتوكأ عليهما وانطلقت في الكامينو. بعد ساعات، أخذت استراحة قصيرة في مقهى صغير تلذذت فيه بتجربة البيسكوتشوس Bizcochos وهي حلوى إسبانية تقليدية تشبه الكعكة الأسفنجية المغطاة بخليط من السكر والليمون. طعمها اللاذع قليلاً كان لابد أن أكسره بقهوة مرة.
عبرت بمجموعة قرى وبلدات صغيرة كانت علامات الطريق واضحة ولكن يجب الانتباه أن الأسهم الصفراء قد تكون على ألأرض، جدران المنازل، أعمدة الإنارة وكل ما يمكن لك أن تتخيله. عملية البحث عن الأسهم وإن كانت في ظاهرها تشبه لعبة الكنز المفقود إلا أنها باتت أمراً مريحاً يشعرك أنك تسير على الدرب الصحيح.
درجة الحرارة في إستيا Estella حين وصلتها كانت على ما يبدو خمس درجات. الهواء بارد جداً والسماء داكنة تنذر بليلة عاصفة. وجدت فندق Zaldu بصعوبة حيث كنت أجر قدمي المصابة جراً .لا أعلم كيف تمكنت من إنهاء إجراءات الاقامة ودفع ستون يورو مقابل الغرفة وإفطار اليوم التالي. صعدت للغرفة وكانت العاصفة قد بدأت بالفعل رميت بجسدي على السرير وبعدها تمكنت من خلع حذائي فوجدت أن عدد البثور والتقرحات قد زاد وساءت حالة قدمي. استمع لسقوط المطر على أطراف شرفتي المطلة على الحديقة وحينها .. انسكب الدمع!