المحيط ايضاً .. Days 34 ,35, 36

Finisterre


“to the end of the world ii”


 

استقضيت في اليوم التالي على صداع قوي وحرارة خفيفة وألم في العضلات ، تناولت إفطاري ومن بعده الأدوية التي كنت قد أحضرتها معي لمكافحة الزكام في بدايته و حتى لا يشتد علي أثناء المشي.

ساندرا وجوان قررتا اخذ سيارة أجرة للبلدة التالية ، أما أنا ففضلت استكمال المشي بصحبة ماري وزوجها ويل. حينما انتصف النهار ، لم يخف صداعي بل زاد مع كل خطوة أخطوها مما دعى الزوجان اللطيفان لإجباري على التوقف تحت الأشجار للاستراحة وتناول شطائر كانت بحوزتهم وحرصوا أن أشرب سوائل كافية وأن أتناول المسكنات التي معي.

المسافة في مجملها كانت ممتعة للمشي. غابات خضراء كالعادة وتلال صغيرة أما الطرق فقد كانت هادئة ونادراً ما كنا نصادف شاحنة هنا أو سيارة هناك.

لمحت المحيط من بين الأشجار وعلى مد البصر. قفزت فرحاً وأخبرت ويل وماري وفوجئت بأنهما يغمراني بعناق جماعي سريع منحني إحساس غامر بأنهم أسرتي الجديدة هنا على أطراف الساحل الغربي لأسبانيا وأن هذا هو احتفالنا بإنجازنا الصغير لهذا اليوم.

بقية الطريق كانت مسافة متعبة قليلاً ولكن كنا محظوظين بأن قامت ساندرا بحجز غرف لنا كونها سبقتنا للمكان مع جوان. ذهب أربعتهم للكنيسة من أجل حضور القداس ثم حضروا للفندق وأخذوني معهم للمحيط بصخوره الضخمة وأمواجه العاتية.

هنا فقط ، شعرت أن رحلتي ومغامرة الكامينو هذه قد انتهت. ألقيت بظهري على الصخور وتمددت مواجهة للسماء الغائمة من فوقي وهدير الموج يملأ أذني.

في صباح اليوم التالي ، حزمت حقيبة ظهري في آخر مشوار لي من المشي. ساندرا وجوان استقلتا اليوم أيضاً سيارة أجرة وقطعتا بها مسافة عشرة كيلومترات. كانتا تسخران من نفسيهما وتؤمنان أن وقود المشي لديهما قد نفذ تماماً.

توقفنا للاستراحة في قرية صغيرة ثم واصلنا المشي عبر غابات الصنوبر ذات الرائحة المميزة. الخط الساحلي كان يضفي جمالاً مضاعفاً للمشهد بأكمله.

في منتصف الطريق التقينا بأصدقاء للزوجين ويل وماري ولم ينقطع حديثهم ولا ضحكاتهم وأغنياتهم طوال المسافة المتبقية. طلبوا مني أن ألتقيهم في سانتياغو حينما نعود من أجل احتفالية كبيرة سيقيمونها على شرف جميع من واصل المشي للمحيط.

الغرفة التي اختارتها لي ساندرا كانت تطل على المحيط من مسافة لا بأس بها ، نافذتها عاليه من الخشب القديم المطلي وأقمشة ستائرها البيضاء تطير وتنخفض بنعومة.

إنطلقنا في مجموعة كبيرة نحو المنارة التي كانت تبعد عن الفندق بنحو ثلاثة كيلومترات مشياً. هناك يوجد عامود أسمنتي عليه صدفة صفراء ومكتوب علية 0,0km ، أي النقطة صفر ، في إشارة إلى نهاية مشوار الكامينو بشكل رسمي.

كان الطقس ملبداً بالغيوم مع رذاذ مطر خفيف بين الحين والآخر. الهواء قوياً يحمل الموج عالياً ليضرب بقوة على الصخر وينثر الماء على شكل نافورة ضخمة.

رفاقي احتفلوا بالوصول للمحيط بطريقتهم الخاصة فقد أحضرت ماري معها من الفندق زجاجة نبيذ وعدة أكواب بلاستيكية  ولم أستطع نسيان اللحظة التي فتحت فيها جيب حقيبتها الآخر وأخرجت لي زجاجة صغيرة من عصير البرتقال. أحببت لطفها وكياستها في أن تشاركني بما يناسبني وأحببت علاقتي الإنسانية الصافية بهم جميعاً المجردة من الحسابات المعقدة والنظريات التي لا أجيد فهمها.

الجميع كان سعيداً بطريقته ومعبراً عن التجربة برمتها بعبارات كانت هي أصدق ما سمعت في حياتي. بلا تكلف ولا تصنع.

كان معهم بقايا خبز أحضروه من إفطار اليوم وقاموا بتقطيعه نتفاً صغيرة للطيور و النوارس. التلة القريبة كان يجلس عليها راعياً يراقب قطيع أغنامه وكالعادة كلبه يبعث في نفسي توتراً مضاعفاً. هممم .. نعم .. اعترف .. أخاف الكلاب بشدة ولم أستطع التغلب على حالتي تلك على الرغم من كثرة أعداد ذلك الحيوان “اللطيف” التي صادفتها خلال مشوار الكامينو بأكمله.

بالأمس، نهضت باكراً قبل أن يستيقض رفاقي حتى أتجنب لحظات الوداع. ترتكت لهم رسالة في الاستقبال اشكرهم فيها على صحبتهم الجميلة وعلى ذكراهم الطيبة التي سأحملها معي ما حييت. توجهت بحقيبة ظهري للمحيط مرة أخرى وأنا أحمل فكرة واحدة فقط في رأسي.

اقتربت من الصخور على حافة الموج. فتحت حقيبتي ، اخرجت منها جواز سفري ، البطاقات البنكية ، بقية النقود الورقية وإشارة من قماش تحمل رمز الكامينو كنت قد قمت بحياكتها بخيط أبيض على طرف الحقيبة الخارجي. وزعت ممتلكاتي البسيطة تلك على جيبي البنطال أما جواز السفر فقد دسسته في الجيب الداخلي لسترتي.

وبلا تردد قذفت بالحقيبة في المحيط بكل قوتي. وبكل محتوياتها. راقبتها لفترة وهي تغوص ببطء في المحيط وكأن أمواجه تتعجب لما فعلت وتعطيني فرصة أخيرة للتراجع. نظرت للأسفل فوجدت عصي المشي ايضاً فقذفتها واحدةً بعد الآخرى لترتطم على الصخر ثم تقفز عالياً لتسقط في البحر من جديد.

هنا شعرت أنني أنتهيت من هذا المشوار بأكمله وأنا على استعداد تام للعودة لبلدي.

استقليت الحافلة المتجة لسانتياغو ثم ذهبت لمحطة القطار باتجاه مدريد العاصمة. بحثت في المطار عن رحلات منها إلى جدة فلم أجد إلا رحلة وحيدة في اليوم التالي. بعد أن حجزت ذهبت لفندق صغير بجوار المطار وأنا لا أحمل سوى ملابسي التي ارتديها ، جواز سفري ، نقودي المتبقية ، وذكريات مغامرتي الحلم.

 

aaa

.

  took place in the 9th & 10th of May 2016

 

مسار رحلة الثلاثة أيام : Santiago de Compostela – Negreira – Mazaricos – Muxia – Finisterre   (nearly 90 km)
35th , 36th , 37th night stay: 
Mazaricos  = Casas Lucas – Carleo .. Mazaricos, s/n (Pidre), 15256 Mazaricos, Spain (€60)
Muxia = Pensión Rústica o Rincón Da Baiuca  .. Lugar da Baiuca, s/n, 15124 Muxia, Spain (€40)
Madrid = Be Live City Airport Madrid Diana .. Galeón, 27, Barajas, 28042 Madrid, Spain (€70)
Photo courtesy: Google images